محمود سعد واحد لا يكفي ...
سمعت كثيرا عن الإخلاص في العمل , الإخلاص في الحب , حب الكيان لا الأشخاص , إنكار الذات , العمل خلف الكواليس , البحث عن المصلحة العامة وإعطاء كل ذي حق حقه ... سمعت كثيراً عن هذه المصطلحات و لكني لم أشعر بها و لم أراها قبل أن يجمعني اللقاء بالدكتور محمود سعد رئيس قطاع الناشئين بنادي الزمالك.
من منطلق "لكل مجتهد نصيب" و "هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون؟" و لأن الإعلام المصري يعشق صناعة الأساطير الورقية فقط و لا يعطي الحق لأصحابه , من أجل هذا كله كان لابد أن أسخر كلماتي من أجل هذا الرجل الذي يعمل في صمت و يعمل بحب و يعمل بإخلاص , هذا الرجل الذي إن كان يسعى للمجد فهو يسعى للمجد العام لنادي الزمالك , لا لمجدٍ شخصي و لا لتكوين ثروة خاصة و لا لصناعة اسم يتباهى به بين الناس , بل يسعى لصناعة الفرحة البيضاء .
لم أعهد من قبل رجلاً كهذا , فكل أبناء الزمالك –إلا من رحم ربي- يأخذون موقفاً من النادي بمجرد أن تتم إقالتهم من مواقعهم و يبدأون في الوقوع في مصيدة الإعلام الأصفر ولا يملون أو يتعبون من كيل الاتهامات للنادي و رجال النادي و إذا ما كان لهم نصيب في قيادة نادي آخر جعلوا من مبارياتهم مع الزمالك معركة حربية يريدون منها أن يقولون نحن الأفضل و أنتم خسرتمونا ... إلا هذا الرجل ... محمود سعد الرجل الذي يحب شيئاً واحداً اسمه نادي الزمالك , يخدم كياناً واحدا هو كيان نادي الزمالك , يسعى من أجل هدف واحد هو فوز الزمالك و إعلاء شأنه .
كم من مرة تم استدعاؤه ليقود مسيرة الفريق الأول في أحلك الظروف و لم يكن يرفض في يومٍ أو يتردد أو يضع الشروط المسبقة , بل كان دائماً يوافق مباشرة ً على أن يخوض التجربة و يقود النادي رغم أن ظروف النادي في كل المرات التي تم فيها استدعاؤه لم تكن مبشرة و لا مشجعة لأي مدرب , و كان الكثيرون يخافون على سمعتهم و على أسمائهم إلا هذا الرجل الذي لبى النداء دوما ًو لم يتأخر في أي يوم , حتى وهو يعلم أن مهمته مؤقتة لحين التعاقد مع مدرب أجنبي.. لم يكن يرفض و يقول كما قال الآخرون أنا أكبر من أن أكون جسـراً , مع أن الرجل يحمل تاريخاً تدريبياً جيد جداً ما بين قيادته للزمالك و أندية في لبنان و أندية في السودان و رغم أنه من المدربين القلائل جداً الذين صقلوا اهتمامهم بكرة القدم بالتعليم فأصبحوا يجمعون بين مهنة و علم كرة القدم بحصوله على الدكتوراه في هذا المجال , إلا أن هذا كله لم يَحُل بينه و بين قيادته الزمالك في أحلك الظروف.
و رغم إقالته أو إجباره على تقديم الاستقالة في كل مرة يتولى فيها تدريب الزمالك إلا أن هذا لم يمنعه من تلبية الدعوة و النداء مرة ثانية ًو ثالثة ًو عاشرة ً, و لربما يقول قائل أن هذا شيءٌ يُشعِر الإنسان بعدم الاحترام و بأنه لا وزن له , و لكني أقول " لا يفكر بهذا المنطق إلا من يسعى لمجد شخصي "، ولكن الأشخاص من نوعية هذا الرجل لا يفكرون إلا في المجد العام .. المجد الذي يسعد الملايين .. المجد الذي يُسَطَّر للتاريخ , هؤلاء الأشخاص لا يهمهم الاسم و لا يهمهم المجد الشخصي ... و هذا هو محمود سعد .
في آخر مرة تمت فيها إقالة الدكتور محمود سعد من موقعه كمدرب عام ناشدته في هذا الموضع ألا يجعل هذه الإقالة تؤثر على علاقته بالزمالك و قلت له عليك أن تسخر قدراتك و خبرتك و علمك في موقعك كرئيس لقطاع الناشئين , و سواء قرأ الرجل كلماتي فاقتنع بها أو أنه كان يحمل هذه القناعة فإن النتيجة واحدة و هي أن الرجل أعرض عن كل ما حدث معه –و أنا لست بصدد فتح الصفحات القديمة- و أعطى جل وقته لقطاع الناشئين بعد أن كان يقسم وقته بين الفريق الأول و الناشئين في فترة قال فيها الأستاذ ممدوح عباس أن " الدكتور محمود سعد أول من يدخل النادي و آخر من يخرج منه" فالرجل يتعامل مع النادي بحق كما يتعامل أحدنا مع بيته بل وأكثر, و عندما تمت إقالته لم يترك المهمة بل سخر وقته كله لهذا القطاع و بعد أن اقنع نجوم الفريق الأول بالتبرع من أجل إصلاح الملاعب الفرعية للناشئين ليتدرب أبناء النادي على أرض النادي و يشعر الشبل بمعنى كلمة "ابن النادي" و يخرج من قطاع الناشئين و هو يحمل حنين حقيقي لهذا النادي , بعد ذلك انتقل الرجل إلى ميدان آخر من العمل و بدء في الإشراف على إنشاء مشروع الأكاديميات في مشروع كبير و عملاق و رغم ضخامته إلا انه لم يكلف النادي أي ميزانية تذكر و أصبح المستفيد الأكبر منه نادي الزمالك دون أي أعباء مالية و أصبح الزمالك بفضل الله ثم بفضل هذه الأكاديميات يدخل كل محافظة و يقترب أكثر فأكثر من المواهب و من الكفاءات و سيتذكر الناس هذا المشروع خلال سنوات قليلة قادمة.
سنتذكر وجه السعد مع كل ناشئ يخرج من قطاع الناشئين و يمثل الفريق الأول , مع كل لاعب سينضم للزمالك من خلال أكاديميات الزمالك المنتشرة من شمال الجمهورية إلى جنوبها , سيتذكر الناس محمود سعد مع كل هدف يسجله شبل صغير من خريجي هذا القطاع الحيوي , سيتذكر الناس محمود سعد مع كل تمريرة ممتعة و مرور ممتع يقوم بها شبل من خريجي هذا القطاع و هذه الأكاديميات , فكيف للناس أن تنسى جهود رجل يعمل في صمت ؟! قد ينسى الإعلام الأصفر ... قد ينسى المسئولون .... قد ينسى اللاعب نفسه ... لكن الجمهور البسيط , الجمهور الذي يحب هذا النادي في أحلك الظروف بكل تأكيد لن ينسى و سيظل متذكراً جهود هذا الرجل و لا أبالغ إذا قلت أن مكانة هذا الرجل عندي و عند الكثير من جماهير الزمالك من جيلي أصبحت كمكانة حلمي زامورا عند من عاصروه.
أثناء وجودي في معسكر إعداد الناشئين بالأكاديمية البحرية قبل أيام كان الرجل يجلس بالقرب من الملعب و يتابع أحوال الفريق و توجهت له أنا و زميلي لنحصل منه على حوار قصير أو تصريح بخصوص قضايا مختلفة و نحن لا نشك 1% أن الرجل سيرفض , و عندما صافحناه و عرفناه بأنفسنا قابلنا بالابتسامة و الترحيب , فطلبنا منه أن نجري معه حواراً قصيرا ًفكانت المفاجأة أنه يرفض و السبب على لسانه "مدربي كرة القدم يصرحون من خلال الملعب و العمل و النتائج لا من خلال الكلمات" الرجل رفض أن يتحدث إطلاقا ًو قال لو أنكم فعلا ًمتابعون لشؤون النادي فستعرفون أني لا اقوم بأي تصريحات , فقد نفى تماماً أن يكون قد أدلى بأي تصريح ٍلأي صحيفة منذ أن تمت إقالته , و عندما ألححنا عليه و أكدنا له أننا سنتحدث فقط عن قطاع الناشئين كانت المفاجأة الأخرى أن طلب منـا الذهاب للمسئولين عن فرق الناشئين من مدربين و إداريين فالرجل لا يريد ان يسحب البساط من أحد , بل لا يريد أن يظهر و كأنه هو الرجل الوحيد , يريد فقط أن يعطي كل ذي حق حقه رغم أنه شخصياً لم يعط نفسه حقها ...
كم هو عظيم هذا الرجل .... كم يحب هذا الرجل النادي .... كم من الوقت و المجهود يبذله من أجل النادي , و هذا ليس كلامي وحدي بل إن كل ناشئ قابلناه في المعسكر كان يثني عليه , كل مدرب أو إداري كان يقول الشعر فيه .... الجميع يعلم و يلاحظ التطور الملحوظ و الحقيقي الذي حدث في قطاع الناشئين و كل من قابلناهم جعلوا كل هذا سببه الرئيسي شخصان محمود سعد و ممدوح عباس و إن حظي الرجل الأول بنصيب الأسد. كل ما قلته في حق هذا الرجل لا يمثل من حقه الا القليل و لكن اعذروني فأنا لم اتعود على تخصيص مقالات للمدح في أشخاص و لا أجيدها و لهذا لربما تكون مقالتي هذه هي الأسوأ من حيث التنظيم أو استخدام العبارات المناسبة و لكني أكاد أقسم أنها الأصدق و الأكثر تعبيراً بين كل مقالاتي التي كتبتها فالرجل يستحق أكثر من هذا بكثير و أعتقد أن جمهور الزمالك البسيط هو الأقدر على أن يعطي هذا الرجل حقه.
في الختـام علينـا أن نعي جيداً أن محمود سعد واحد لا يكفي و علينا أن نكون جميعا محمود سعد , على رئيس النادي أن يكون محمود سعد و على عضو مجلس الإدارة أن يكون محمود سعد , و على عضو الجهاز الفني أن يكون محمود سعد و على كابتن الفريق أن يكون محمود سعد و على لاعب الفريق أن يكون محمود سعد و على المشجع في المدرجات أن يكون محمود سعد و على الإعلامي الزملكاوي في الاستديو أن يكون محمود سعد و على رجل الأعمال الزملكاوي أن يكون محمود سعد ...
فلو أن كل واحد ٍمن هؤلاء أصبح محمود سعد في موقعه , فبدون مبالغة سيكون الزمالك ذا شأن آخر على الساحة المحلية و الأفريقية و العربية ,فهذا الرجل يمتلك إخلاصاً و حباً للنادي لو وزعناه على لاعبي الفريق الأول لكان كافياً.[color:f94d=w
hite]